فصل: قال في ملاك التأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)} وفى سورة الفتح: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)}، فقيل هاهنا {منهم} ولم يقل في آية المائدة {منكم} على مقتضى الخطاب ولا {منهم} على الالتفات فيخصص كما في آية الفتح بل قطع وعد عن نصب مفعوله وجئ بالجملة في موضعه فقيل لهم مغفرة وأجر عظيم وجرى ذلك على ما يعم الكل ولا يخص فيسأل عن وجه ذلك.
والجواب عنه والله أعلم: أن آية المائدة لما قدمتها خطاب المؤمنين في قضيتين: الأولى منهما {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة...} إلى قوله: {لعلكم تشكرون} والثانية قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط...} الآية وقد وقع فيما بين هاتين الآيتين قوله تعالى: {اذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به} ولم يقع أثناء هذه الآى إشارة إلى غيرهم ولا انجر معهم أحد من سواهم لم يحتج إلى تخصيص الخطاب الوعدى فأطلق القول ولم يقيد بأن يقال «منهم» ولا علمت وعد في مفعولها الثانى كما جاء ذلك كله في آية الفتح بل عدل عن عملها في لفظ المغفرة وجئ بالجملة في موضع المفعول وقطع بقوله لهم على الابتداء والخبر ليكون أبلغ في استحقاقهم ذلك وأما آية الفتح فأعقب بها التمثيل الجارى في ذكر الزرع في قوله تعالى: {يعجب الزراع لغيظ بهم الكفار} مع أن العلية الموصوفين بقوله: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} إلى ما وصفوا به وعرف أنه مثلهم في التوراة وأن مثلهم في الانجيل قد كان كذا فمع ما وصفوا به قد عاصرهم وكان في أيامهم ومعهم من علم نفاقه فمن كان يتظاهر بالإيمان ويسر الكفر: {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} وقد صاروا معهم بظاهر أمرهم وأعلم بذلك قوله تعالى: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم} وعرف سبحانه بأحوالهم وحذر نبيه والمؤمنين منهم فقال: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} وقد شمل الكل عموم قوله: {والذين معه} بظاهر الإيمان إذ كانوا يتظاهرون بما وصف به المؤمننو فجئ هنا بالوعد محرزا مخرجا منه من كان يتظاهر بالإيمان ويلزق بالمؤمنين وليس منهم فقيل {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم} فجئ بقوله: {منهم} ليحرز هذا المعنى الجليل فمن على هذا للتبعيض.
أما آية المائدة فلا يتناول قبلها مما ذكر من الآيات غير المخلص في إيمانه بخصوص خطابهم بما لا يتناول غيرهم من قوله: {يأيها الذين آمنوا} فخصصوا بالنداء ولا يتناول إلا مؤمنا أما مع فيتناول المجتمعين في الظاهر من حيث تألف أشخاصهم وإن اختلفت قلوبهم ويدل على ذلك قول المنافقين في القيامة للمؤمنين {ألم نكن معكم} وجواب المؤمنين لهم بقوله: {بلى} أى قد كنتم معنا ولكن لم تكونوا مخلصين هذا معنى قولهم {ولكنكم فتنتم أنفسكم...} الآية فقد كانت معية في الظاهر وصح إطلاقها لغة وهذا القدر من الاحتمال في اللفظ وإن لم يكن مقصودا في المعنى حسن التحرير والتحرز في آية الفتح بقوله منهم أما قوله: {وعد الله الذين آمنوا} بعد أن لم يتقدم إلا ذكر من أفصح بلسانه وإنما الإيمان عمل قلبى لأنه التصديق وإن اتسع في إطلاقه على الإيمان والإسلام فالتصديق حاصل على كل حال كما لو قيل في آية سورة الفتح: {والذين آمنوا معهم} إذا تقرر هذا فلا حامل غير التحرز بأن يقال «منهم» لأنهم مستوون غير مختلفين في ظاهر ولا باطن بخلاف آية الفتح لما في ظاهر لفظ مع مما تقدم.
فإن قيل: وصفهم بما وصفوا به في آية الفتح يرفع ما ذكرت من الاحتمال قلت: إذا أمكن رجوعه إلى الأكثر واحتمل لم يندفع ذلك الاحتمال فورد كل من الآيتين على ما يناسب، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)}.
والمغفرة لا تكون إلاَّ للذنب، فوصفهم بالأعمال الصالحات، ثم وعدهم المغفرة لِيُعْلَمَ أن العبد تكون له أعمال صالحة وإن كانت له ذنوب تحتاج إلى غفرانها، بخلاف ما تَوَهَّمَ مَنْ قال إن المعاصي تَحْبِطُ الطاعات.
ويقال بيَّن أن العبد وإن كانت له أعمال صالحة فإنه يحتاج إلى عَفْوِه وغفرانه، ولولا ذلك لَهلَكَ، خلافًا لمن قال إنه لا يجوز أن يَعذِّبَ البريءَ ويجب أن يثيب المحسنين.
ويقال لو كان ثوابُ المحسنين واجبًا، وعقوبةُ البريء غيرَ حسنة لكان التجاوزُ عنه واجبًا عليه، ولم يكن حينئذ فضل يمن به عليهم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)}.
وعندما نتأمل كلمة {وعد} نجدها تأتي، وتأتي أيضًا كلمة «أوعد» و«وعد» وكذلك أوعد إذا لم تقترن بالموعود به، تكون وَعَد للخير، و«أَوْعَد» للشر. ولكن لو حدث غير ذلك وجئت بالموعود به، فالاثنان متساويان، فيصح أن تقول «وعدته بالخير» ويصح أيضًا أن تقول: «وعدته بالشر». لكن إن لم تذكر المتعلق، فإن «وعد» تستعمل في الخير. و«أوعد» تستعمل في الشر. والشاعر يقول:
وإنِّي إنْ أوعدته أو وعدته ** لُمخْلِفُ إِبعادي ومُنْجِزُ موعدي

وحين يقول: {وعد الله} فهذا وعد مطلق لا إخلال به؛ لأن الذي يخل بالوعد هو الإنسان الذي تعتريه الأغيار؛ فقد يأتي ميعاد الوفاء بالوعد ويجد الإنسان نفسه في موقف العاجر أو موقف المتغير قلبيًا، لكن ساعة يكون الله هو الذي وعد فسبحانه الذي لا تداخله الأغيار، بل هو الذي يُجري الأغيار، لذلك يكون وعده هو الوعد الخالص الذي لا توجد قوة أخرى تحول دون أن ينفذ الله وعده. أما وعد البشر فقد تأتي قوة أخرى تعطل الوعد.
{وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ} سبحانه وتعالى يوضح أن مغفرته لكل عباده ولا يختص فقط الصالحين الورعين بل إنه يوجد حديثه إلى هؤلاء الذين ارتكبوا المعاصي فإن تابوا، فلهم مغفرة؛ لأن ردء المفسدة مقدم على جلب المصلحة؛ فأنت قد تكون جالسا ويأتي واحد جهة اليمين ليقدم لك تفاحة، وفي اللحظة نفسها التي تمتد يدك لتأخذ التفاحة تلتفت لتجد إنسانًا آخر يريد أن يصفعك، أي اتجاهات سلوكك تغلب؟. لابد أنك سترد على من يضربك أولا. والحق يزيل الذنوب أولًا بالمغفرة. ونجده سبحانه وتعالى يأتي بأشياء تلفت القلب فهو يقول: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
فالخطوة الأولى للفوز هي الزحزحة عن النار، والخطوة التالية بعد ذلك هي دخول الجنة. فسبحانه يمنع المفسدة ويقدم دفعها ودرأها على جلب المنفعة؛ لذلك يقول الحق بداية: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ}. والإنسان منا ساعة تأتي له الخواطر يفكر في أشياء يطمح إليها، وهناك أشياء يخاف منها. وينشغل الذهن أولًا بما يخاف منه، يخاف من المفسدة، يخاف من عدم تحقيق الآمال. إذن فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
{لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}. وكل أجر على عمل يأخذ عمره بقدر حيزه الزمني، فأجر الإنسان على عمله في الدنيا يذهب ويزول؛ لأن الإنسان نفسه يذهب إلى الموت، أما أجر الآخرة فهو الباقي أبدًا، وهو أجر لا يفوت الإنسان ولا يفوته الإنسان، ذلك هو الأجر العظيم.
وحين يتكلم الحق عن معنى من المعاني يتعلق بالإيمان والعمل الصالح تكون النفس مستعدة؛ لأن هناك تأميلا في الخير وترهيبًا من الشر؛ لذلك يتبع الحق هذه الآية بآية أخرى فيقول: {والذين كَفَرُواْ...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {وَعَدَ الله}: {وعد} يتعدَّى لاثنين أولهما الموصول، والثاني محذوفٌ أي: الجنةَ، وقد صَرَّح بهذا المفعولِ في غير هذا الموضع وعلى هذا فالجملة من قوله: {لهم مغفرة} لا محل لها لأنها مفسرةٌ لذلك المحذوفِ تفسيرَ السبب للمسبب، فإن الجنةَ مسببةٌ عن المغفرةِ وحصولِ الأجر العظيم، والكلامُ قبلها تام بنفسه. وذكر الزمخشري في الآية احتمالاتٍ أخَرَ، أحدها: أنَّ الجملةَ من قوله: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} بيانٌ للوعد، كأنه قال: قَدَّم لهم وعدًا، فقيل: أيَّ شيء وعده؟ فقال: لهم مغفرة وأجر عظيم، وعلى هذا فلا محلَّ لها أيضًا، وهذا أَوْلى من الأول لأن تفسيرَ الملفوظِ به أَوْلى من ادِّعاء تفسير شيء محذوف. الثاني: أنَّ الجملةَ منصوبةٌ بقولٍ محذوفٍ كأنه قيل: وَعَدهم وقال لهم مغفرة. الثالث: إجراءُ الوعد مُجرى القول لأنه ضَرْبٌ منه، ويجعل {وعد} واقعًا على الجملة التي هي قوله: {لهم مغفرة} كما وقع {تَرَكْنا} على قوله: {سَلاَمٌ على نُوحٍ} [الصافات: 79]، كأنه قيل: وعدهم هذا القول، وإذا وعدهم مَنْ لا يُخْلِفُ الميعادَ فقد وعدهم مضمونَة من المغفرة والأجر العظيم، وإجراءُ الوعدِ مُجْرى القولِ مذهبٌ كوفي. اهـ.

.تفسير الآية رقم (10):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قدم الوعد لأنه في سورة الذين آمنوا أتبعه الوعيد لأضدادهم، وهو أعظم وعد لأحبابه المؤمنين أيضًا فقال: {والذين كفروا} أي غطوا ما اتضح لعقولهم من أدلة الوحدانية {وكذبوا} أي زيادة على الستر بالعناد: {بآياتنا} على ما لها من العظمة في أنفسها وبإضافتها إلينا {أولئك} أي البغضاء البعداء من الرحمة خاصة {أصحاب الجحيم} أي النار التي اشتد توقدها فاشتد احمرارها، فلا يراها شيء إلا أحجم عنها، فهم يلقون فيها بما أقدموا على ما هو أهل للإجحام عنه من التكذيب بما لا ينبغي لأحد التكذيب به، ثم يلازمونها فلا ينفكون عنها كما هو شأن الصاحب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

{والذين كَفَرواْ} نزلت في بني النَّضِير.
وقيل: في جميع الكفار. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} لما ذكر ما لمن آمن، ذكر ما لمن كفر.
وفي المؤمنين جاءت الجملة فعلية متضمنة الوعد بالماضي الذي هو دليل على الوقوع، فأنفسهم متشوقة لما وعدوا به، متشوفة إليه مبتهجة طول الحياة بهذا الوعد الصادق.
وفي الكافرين جاءت الجملة اسمية دالة على ثبوت هذا الحكم لهم، وأنهم أصحاب النار، فهم دائمون في عذابٍ، إذْ حتم لهم أنهم أصحاب الجحيم، ولم يأت بصورة الوعيد، فكان يكون الرجاء لهم في ذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

{والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا} القرآنية التي من جملتها ما تليت من النصوص الناطقة بالأمر بالعدل والتقوى، وحمل بعضهم الآيات على المعجزات التي أيد الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم {أولئك} الموصوفون بما ذكر {أصحاب الجحيم} أي ملابسوا النار الشديدة التأجج ملابسة مؤبدة، والموصول مبتدأ أول، واسم الإشارة مبتدأ ثان وما بعده خبره، والجملة خبر الأول، ولم يؤت بالجملة في سياق الوعيد كما أتى بالجملة قبلها في سياق الوعد قطعًا لرجائهم، وفي ذكر حال الكفرة بعد حال المؤمنين كما هو السنة السنية القرآنية وفاءًا بحق الدعوة، وتطييبًا لقلوب المؤمنين بجعل أصحاب النار أعداءهم دونهم. اهـ.